271 Methodology

أهمية طرق البحث الأنثروبولوجي :
       إن أهمية طريق ومناهج البحث في الانثروبولوجيا الثقافية لا تقل أهمية عن العلم ذاته . فالحقيقة العلمية للثقافة ، موضوع هذا العلم ، لا قيمة لها بدون استخدام طريقة البحث في التأكد عن مدى مصداقيتها وثباتها  إنها الوسيلة التي توصلنا إلى الحقيقة المنشودة أو مجموعة الحقائق العلمية .  ويعني بطرق البحث هي مجموعة الطرق التي يستخدمها الباحث للحصول علي المعلومات من مصادرها الأصلية والثانوية البشرية والمادية , البيئية والفكرية بشكل منظم ومترابط ومنسق كي نستتبع من خلالها تفسير وشرح وتحليل موضوع البحث وهي تختلف من حيث أسلوبها وطريقتها عن الطرق البادهة المشتركة بين الناس .
 إن طريقة البحث الانثروبولوجية هي طريقة علمية يتبع فيها الباحث الانثروبولوجي سلسلة من الخطوات الواضحة والآمنة لتحقيق ما يقوم به من بحث  وهي تقوم علي ملاحظة موضوعية وقياس دقيق ونشر كامل للبحث .  بل إن ادراكات الباحث ومعلوماته وخبراته الشخصية غير كافية لإيصاله إلي استقراء كامل للواقع الاجتماعي موضوع بحثه  فهو يحتاج كذلك إلي استخدام احد المناهج المتبعة في علمه. وإذا كان هناك من اختلاف في طرق ومناهج البحث الانثروبوبوجي فان ذلك لا يرجع إلى الاختلاف القائم بين الباحثين أو الدارسين لعلم الانثروبولوجيا ، بل يعود كذلك إلى التطور التاريخي الذي مر به هذا العلم من حيث تطور مفاهيمه وميادينه وأهداف دراسته إضافة إلى تأثير التيارات الفكرية التي كانت تزامن مراحل التطور التي مر بها هذا العلم وغيره من العلوم الاجتماعية والإنسانيات. وإذا كان هناك من التقاء بين منهجي علم الاجتماع والانثروبولوجيا فإنه جاء نتيجة اتساع مجالات البحث في الانثروبولوجيا ودخولها ميدان المناطق الحضرية والصناعية , فلم تعد الانثروبولجيا هي ذلك العلم الذي يبحث في شئون المجتمعات التقليدية كما بينا فى الفصل السابق, بل اتسعت وشملت مجتمعات اكبر و أوسع . ومع ذلك فما زالت المناهج والطرق الانثروبولوجية في دراسة المجتمعات البدائية والتقليدية تحتفظ بطابع خاص يميزها عن علم الاجتماع وبقية العلوم الاجتماعية الأخرى , فالانثروبولوجيا تعول كثيرا علي المنهج المقارن والملاحظة بالمشاركة , كما تركز علي الوصف الاثنوجرافي للجماعات البشرية وهذا ما لا يتوفر دائما في علم الاجتماع او العلوم الاخري . . وقد تعددت منها طرق ومناهج البحث العلمي تبعا لتعدد جوانب الدراسة فمنها التاريخي الذي يفسر الوقائع التاريخية وتحدد أسبابها الحقيقية ومنها الوصفي الذي يدرس الظاهرة بجميع خصائصها وأبعادها ومنها المقارن .
 قواعد البحث في الانثروبولوجيا الثقافية :
     مما لاشك فيه أن الانثروبولوجيا أخذت موقعا مميزا بين العلوم الاجتماعية الأخرى وأصبحت تتمتع بتراث علمي يضم معرفة واسعة ومتنوعة سواء في المجال الاجتماعي أو المجال الفيزيقي , وأصبحت ترتكز علي قواعد وأسس ومبادئ أساسية , تراكمت باطراد عبر فترة زمنية طويلة منذ منتصف القرن التاسع عشر إلى وقتنا هذا وهى على النحو التالي :
-       دراسة الظواهر الثقافية والاجتماعية بوصفها أشياء :
     يؤكد علماء الأنثروبولوجيا والعلوم الاجتماعية بشكل خاص على أهمية الموضوعية في دراسة الظواهر الثقافية والاجتماعية وذلك من خلال دراستها بوصفها أشياء خارجة عن الذات الإنسانية، بمعنى أنها تصلح لأن تكون مادة للملاحظة والتجربة. كما ينبغي أن ينظر إلى هذه الظواهر نظرة منفصلة عن الشعور الخاص بالباحث والعوامل الكامنة في نفسيته ، وإلا سيتأثر بتجاربه الشخصية ولا يقيم وزنا لظروفه الخاصة في بحث شئون الحياة . كما ينبغي أن يكون متحرر من كل فكرة قبلية يعرفها عن الظاهرة ورفض الآراء التنبؤية ويعتمد على الدراسة الفعلية الخاصة بها .
-       استخدام طرق محكمة في جمع البيانات
 لكي يدعم البامحكمة فيعية لابد من أن يستخدم طرق محكمة  في جمع البيانات والمعلومات عن موضوع بحثه . حيث تؤكد التجارب الميدانية علي أن جمع البيانات عن الظاهرة الثقافية التي يهتم الباحث بها يعتمد إلي حد كبير على استخدام طريقة محكمة في جمع البيانات أو باستخدام الملاحظة الدقيقة أو بأي وسيلة تحقق الهدف على تسجيل هذه البيانات والتأكد من صحتها ، على أن يتبع هذا الجمع تصنيف وترتيب البيانات على أساس التشابه أو التباين أو على أساس الأسباب والنتائج ، مع محاولة التميز بين الأسباب الأساسية الهامة ذات العلاقة الايجابية المباشرة بموضوع البحث ، والأسباب السطحية ضعيفة العلاقة بموضوع البحث .

-       النظرة الشمولية 
 النظرة الشمولية Holistic view هي السمة التي تتميز بها الأنثروبولوجيا عن كثير من العلوم الاجتماعية الأخرى ونعنى بها النظرة التكاملية الشاملة في دراسة المجتمع التي تفرض على الباحث الذي يتوفرعلى دراسة نظام اجتماعي معين أو مشكلة اجتماعية في المجتمع أن يأخذ في اعتباره مجموعة المؤثرات والعلاقات التي تربط بين هذا النظام أو المشكلة وبين النظم والظواهر الأخرى في المجتمع، والتي من أهمها البيئة الطبيعية والبيئة الاجتماعية أو البيئة فوق العضوية . و تكمن أهمية هذه النظرة الشمولية في أنها تعكس حقيقة الترابط والتساند الوظيفي والتفاعل القائم بين مكونات البناء الاجتماعي التي قد تكون في شكلها الخارجي العام غير مترابطة ومتساندة. تقول روث بندكيت في هذا الصدد أن الثقافة لا يمكن فهمها إلا من خلال دراسة ترتيب مكوناتها والعلاقات فيما بين هذه المكونات وليس من خلال دراسة كل مكون أو جزء على حده[1]       
-       النسبية الثقافية والدراسات المقارنة:
    النسبية الثقافية مفهوم تحليلي نشأ في الرّبع الأخير من القرن الماضي. وقد تشكّل مفهوم هذا المصطلح بصفته ردّة فعل على مفهوم المركزيّة الغربيّة[2], ويعني مصطلح (النسبية الثقافية) عدمَ وجود قِيَمٍ شاملة لجميع البشر، حيث إنَّ كلَّ ثقافة تُعَبِّرُ تعبيرًا متميزًا عن الشعوب والأمم التي تؤمن بها، وتبرمج سلوكَها وفق معاييرها ومعطياتها، وأنه لكي نفهم سلوكيات الأفراد داخل الثقافة ، لابد من أن يكون إطارنا المرجعي مرده إلى المبادئ والقيم السائدة في نفس مجتمع الدراسة ، فإذا ما أريد فهم أي ظاهرة ثقافية من مبدأ الحكم عليها ، لزم علينا أن ننظر إلى هذه الظاهرة في إطارها الثقافي المتكامل وفى حدود النسق ألقيمي لهذه الثقافة ، وذلك لصعوبة تطبيق نسق قيمي عالمي ينسحب على جميع المجتمعات الإنسانية . هنا نقف موقف الحياد حيال الثقافات الأخرى بعيدين عن التعصب والسير وراء الأهواء الذاتية أو الاعتداد بالجماعة التي ننتمي إليها على حساب الجماعة موضوع الدراسة.
    إن واقع الحال في الدراسات الأنثروبولوجي قد يؤكد على أهمية هذه النسبية إلا أنه لا ينفي أهمية الدراسات  المقارنة ، حيث يعتبر المنهج المقارن في الدراسات الأنثروبولوجية اقرب المناهج للتجريب . بل يعد أمر جوهري وأساسي في مجال الأنثروبولوجيا الثقافية . فمن خلال هذا المنهج نستطيع أن نصل إلى تعميمات التى هي بمثابة الأنماط التى تتمتع بدرجة عالية من العمومية والتى تصدق في وجودها على أشكال مختلفة من المجتمعات والثقافات. إلا أنه يجب التأكيد على أن المقارنة ليست مجرد تجميع عشوائي لمجموعات من الحقائق الاجتماعية والثقافية الجزئية المتماثلة ، أنما هي محاولة فهم معنى الظاهرة أو موضوع البحث في نطاق البناء الاجتماعي والثقافي الذي توجد فيه ، وما تؤديه من وظائف في الإطار الاجتماعي والثقافي على اعتبار أن مايعطى للظاهرة الاجتماعية دلالتها هو ارتباطها ارتباطا وظيفيا بغيرها من الظواهر الأخرى في المجتمع ، وتساندها فى الأداء الوظيفي مع مختلف تلك الظواهر . كما أن المقارنة تعنى تصنيف الحقائق التي تجرى مقارنتها تصنيفا دقيقا فى نسق تصنيفي له طبيعته المنظمة .


[1] انظر محمد عبده محجوب  1974