إن حرية الكلمة هى المقدمة الاولى للديموقراطية الحقة وهى الركيزة الاساسية لمساحة الحرية فى المجتمع

القبلية والدولة المدنية
 ان المتتبع للتاريخ الاجتماعى والسياسى للمجتمع الكويتى يستطيع ان يستدل على حقيقة بالغة الاهمية توضح لنا أنه فى كثير من مراحل التطور التاريخى للمجتمع والذى برزت فيه الدولة كجهاز سياسي وإداري قوي، اتجهت التكوينات القبلية إلى الإضمحلال والإندماج في إطار تلك الدولة ومنظومتها الثقافية والأيديولوجية، وفى الاوقات التى تضعف بها الدولة واجهزتها المدنية و البيروقراطية تكون القبيلة هي الوريث لامتلاك السلطة والثروة وتكون الاداة السياسية الرئيسة التى تحرك وتؤثر فى النظم الاجتماعية للمجتمع ..
    لم تكن القبيلة فى الكويت قوة فوق الدولة تحدد مسار التغير الاجتماعى والسياسى والاقتصادى فى المجتمع إلا بعد ان ضعف الجهاز السياسى والادارى لها وذلك منذ نهاية السبعينات من القرن الماضى. لقد كان لضعف مؤسسات المجتمع المدنية والاجهزة البيروقراطية , الدور الاكبر لبروز القبلية السياسية والاجتماعية . فالقبلية تتصف بالعقلية النفعية البرجماتية والتى تنزع دوماً إلى التوحد أو الإنقسام وفقاً لمصلحة رموز النظام القبلي، فإذا كانت القبيلة تسعى إلى الإندماج في كيان سياسي أكبر منها فذلك يعني ضرورة إشراك واحتلال مراكز سياسية هامة لرموز القبيلة في داخل جهاز الدولة ، ويعني ذلك أيضاً استمرار حصول الرموز القبلية لعدة امتيازات مادية ومعنوية والعكس هو الصحيح فى حالة قوة النظام السياسى والاجتماعى.
 فى الوقت الراهن وبسبب الضعف العام الذى اصاب النظام السياسى , اصبح التكوين الاجتماعى يتسم  باستمرار البنى التقليدية وخاصة القبلية منها والطائفية بمحدداتها الاجتماعية والثقافية وقد ساعد على استمرار هذه البنى أوضاع عدة أهمها ضعف  الدولة وجهازها الإداري والسياسي نتيجة للصراعات السياسية والدينية والقبلية بين مختلف القوى الاجتماعية المكونة عبر تحالفها مع النخب الحاكمة متباينة في جذورها الاجتماعية وفي رؤيتها لأسلوب العمل السياسي في جهاز الدولة.
  لقد اصبحت القبيلة فى المجتمع الكويتى تلعب دوراً مفصليا  من أجل الحفاظ على دورها السياسي في أي عملية سياسية او اقتصادية  ولا يرجع ذلك فقط إلى دور القبيلة بل يرتبط أيضاً بدور الدولة ذاتها ، أو بمعنى آخر دور النخب الحاكمة في إعادة إنتاج القبيلة ضمن عملية تحالف تضم رموز القبيلة والمؤسسة المدنية والعسكرية وكبار موظفي الدولة ورموز لتجمعات دينية . إضافة إلى « أدوار تكميلية » لبعض من المثقفين وبعض السياسيين من رموز القبائل الكبرى فى المجتمع ، ومن هنا كانت بداية خلق قوى وسطية انتهازية تعمل على إزاحة القوى الحديثة من عملية بناء الدولة والتحالف بدلاً عنها مع القوى التقليدية خاصة المشائخ ، ومن هنا أيضاً لعب مشائخ القبائل دوراً مزدوجاً عبّر عن فهم ووعي بالعمل السياسي وفقاً لأيديولوجية القبيلة ذات الإطار البراجماتي .

   وقد رتبط ولوج القبيلة في بنية الدولة الحديثة بعدة عوامل اهمها تزايد طموحات الزعامات القبلية فى المجتمع وظهورها على السطح  وتعاظم دور رموز القبائل  بصفتهم واسطة بين الدولة والقبيلة .  ثم دور الدولة ذاتها او النخب الحاكمة التى عززت من هذه الطموحات لدى شيوخ ورموز القبائل , حيث التلاعب بمسألة "القبائل" لأغراض وحسابات سياسية وأمنية تخدم مصالح ا و كانت على حساب المصلحة الوطنية حيث تتحدث بمنطق يكرس ويرسخ المفاهيم والتقاسيم القبلية بدعوى أن هذا هو نظامنا الإجتماعي "الطبيعي" الذي يجب أن نحافظ عليه.  كما كان لعدم الاستقرار السياسى فى الكويت اهمية فى ولوج القبيلة فى المعترك السياسى  وفى بنية الدولة الحديثة. ولان القبيلة لها امتداد جغرافى يفوق الحدود السياسية للدولة, فقد لعبت القبائل التى تعيش فى حدود خارج نطاق الحدود السياسية لدولة الكويت دورا هاما فى دعم التنظيمات القبلية فى الدولة وفى دعم دورها السياسى والاجتماعى  وفى بروزها على السطح .